فصل: اختلاف المفسرين في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولكن} خفيفًا {الشياطين} بالرفع: ابن عامر وحمزة وعلي وخلف وكذلك قوله: {ولكن الله قتلهم} {ولكن الله رمى} {الملكين} بكسر اللام هاهنا وفي سورة الأعراف: قتيبة. على أن المنزل عليهما علم السحر كانا ملكين ببابل.

.الوقوف:

{على ملك سليمان} ج لأن الواو قد تصلح حالًا لبيان نزاهة سليمان وردّ ما افتروا عليه {السحر} ط قيل: على جعل {ما} نافية ولا يتضح لمناقضته ما في سياق الآية من إثبات السحر بل {ما} خبرية معطوفة على قوله: {السحر} على أنها وإن كانت نافية يحتمل كون الواو حالًا على تقدير: يعلمون الناس السحر غير منزل فلا يفصل.
وفي الآية عشر ماآت إحداها كافة في {إنما} والأخيرة نكرة منصوبة في {لبئسما} والباقية خبرية ثم نافية ثم خبرية على التعاقب {وماروت} ط {فلا تكفر} ط {وزوجه} ط {بإذن الله} ط {ولا ينفعهم} ط {من خلاق} ط يجوز الوقف لابتداء اللام {أنفسهم} ط {يعلمون} o {خير} ط {يعلمون} o. اهـ.

.فصل نفيس وجليل للقاضي عياض:

رأيت أن تصدر به الآية الكريمة لكثرة ما ورد في تفسيرها من أساطير وخرافات مردها إلى الإسرائيليات.
قال عليه الرحمة:

.فصل: في القول في عصمة الملائكة:

أجمع المسلمون على أن الملائكة مؤمنون فضلاء واتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين منهم حكم النبيين سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منه وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ إليهم كالأنبياء مع الأمم واختلفوا في غير المرسلين منهم فذهبت طائفة إلى عصمة جميعهم عن المعاصي واحتجوا بقوله تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} وبقوله: {وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون} وبقوله: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون} وبقوله: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته} الآية، وبقوله: {كرام بررة} و{لا يمسه إلا المطهرون} ونحوه من السمعيات.
وذهبت طائفة إن أن هذا خصوص للمرسلين منهم والمقربين، واحتجوا بأشياء ذكرها أهل الأخبار والتفاسير نحن نذكرها إن شاء الله بعد وتبين الوجه فيها إن شاء الله، والصواب عصمة جميعهم وتنزيه نصابهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبتهم ومنزلتهم عن جليل مقدارهم ورأيت بعض شيوخنا أشار بأن لا حاجة بالفقيه إلى الكلام في عصمتهم.
وأنا أقول إن للكلام في ذلك ما للكلام في عصمة الأنبياء من الفوائد التي ذكرناها سوى فائدة الكلام في الأقوال والأفعال فهى ساقطة ههنا، فما احتج به من لم يوجب عصمة جميعهم قصة هاروت وماروت وما ذكر فيها أهل الأخبار ونقلة المفسرين وما روى عن على وابن عباس في خبرهما وابتلائهما، فاعلم أكرمك الله أن هذه الأخبار لم يرو منها شيء لا سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو شيئا يؤخذ بقياس والذى منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه، وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف كما سنذكره، وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم كما نصه الله أول الآيات من افترائهم بذلك على سليمان وتكفيرهم إياه، وقد انطوت القصة على شنع عظيمة وها نحن نحبر في ذلك ما يكشف غطاء هذه الإشكالات إن شاء الله فاختلف أولا في هاروت وماروت هل هما ملكان أو إنسيان، وهل هما المراد بالملكين أم لا، وهل القراءة ملكين أو ملكين، وهل ما في قوله: {وما أنزل} {وما يعلمان من أحد} نافية أو موجية؟ فأكثر المفسرين أن الله تعالى امتحن الناس بالملكين لتعليم السحر وتبيينه وأن عمله كفر، فمن تعلمه كفر، ومن تركه آمن، قال الله تعالى: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} وتعليمهما الناس له تعليم إنذار أي يقولان لمن جاء يطلب تعلمه لا تفعلوا كذا فإنه يفرق بين المرء وزوجه ولا تتخيلوا بكذا فإنه سحر فلا تكفروا فعلى هذا فعل الملكين طاعة وتصرفهما فيما أمرا به ليس بمعصية وهى لغيرهما فتنة، وروى ابن وهب عن خالد بن أبى عمران أنه ذكر عنده هاروت وماروت وأنهما يعلمان السحر فقال نحن ننزههما عن هذا فقرأ بعضهم {وما أنزل على الملكين} فقال خالد لم ينزل عليهما فهذا خالد على جلالته وعلمه نزههما عن تعليم السحر الذي قد ذكر غيره أنهما مأذون لهما في تعليمه بشريطة أن يبيننا أنه كفر وأنه امتحان من الله وابتلاء، فكيف لا ينزههما عن كبائر المعاصي والكفر المذكورة في تلك الأخبار، وقوله خالد لم ينزل يريد أن ما نافية وهو قول ابن عباس، قال مكى وتقدير الكلام وما كفر سليمان يريد بالسحر الذي افتعلته عليه الشياطين واتبعهم في ذلك اليهود وما أنزل على الملكين، قال مكى هما جبريل وميكائيل ادعى اليهود عليهما المجئ به كما ادعوا على سليمان فأكذبهم الله في ذلك ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر.
{ببابل هاروت وماروت} قيل: هما رجلان تعلماه، قال الحسن: هاروت وماروت علجان من أهل بابل، وقرأ، وما أنزل على الملكين بكسر اللام وتكون ما إيجابا على هذا، وكذلك قراءة عبد الرحمن بن أبزى بكسر اللام، ولكنه قال الملكان هنا داود وسليمان وتكون ما نفيا على ما تقدم، وقيل: كانا ملكين من بنى إسرائيل فمسخهما الله، حكاه السمرقندى والقراءة بكسر اللام شاذة فمحمل الآية على تقدير أبى محمد مكى حسن ينزه الملائكة ويذهب الرجس عنهم ويطهرهم تطهيرا وقد وصفهم الله بأنهم مطهرون و{كرام بررة} و{لا يعصون الله ما أمرهم} ومما يذكرونه قصة إبليس وأنه كان من الملائكة ورئيسا فبهم ومن خزان الجنة إلى آخر ما حكوه وأنه استثناه من الملائكة بقوله: {فسجدوا إلا إبليس} وهذا أيضا لم يتفق عليه بل الأكثر ينفون ذلك وأنه أبو الجن كما آدم أو الإنس وهو قوله الحسن وقتادة وابن زيد، وقال شهر بن حوشب كان من الجن الذين طردتهم الملائكة في الأرض حين أفسدوا، والاستثناء من غير الجنس شائع في كلام العرب سائغ وقد قال الله تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} ومما رووه في الأخبار أن خلقا من الملائكة عصوا الله فحرقوا وأمروا أن يسجدوا لآدم فأبوا فحرقوا ثم آخرون كذلك حتى سجد له من ذكر الله إلا إبليس في أخبار لا أصل لها تردها صحاح الأخبار فلا يشتغل بها. والله أعلم. اهـ.

.اختلاف المفسرين في الآية:

قال في الميزان:
قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} الآية.
قد اختلف المفسرون في تفسير الآية اختلافا عجييا لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد، فاختلفوا في مرجع ضمير قوله: اتبعوا، أهم اليهود الذين كانوا في عهد سليمان، أو الذين في عهد رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم أو الجميع؟
واختلفوا في قوله: تتلوا، هل هو بمعنى تتبع الشياطين وتعمل به أو بمعنى تقرأ، أو بمعنى تكذب؟
واختلفوا في قوله: الشياطين، فقيل هم شياطين الجن وقيل شياطين الإنس وقيل هما معا، واختلفوا في قوله: على ملك سليمان، فقيل معناه في ملك سليمان، وقيل معناه في عهد ملك سليمان، وقيل معناه على ملك سليمان بحفظ ظاهر الاستعلاء في معنى على، وقيل معناه على عهد ملك سليمان، واختلفوا في قوله: ولكن الشياطين كفروا، فقيل إنهم كفروا بما إستخرجوه من السحر إلى الناس وقيل إنهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر، وقيل إنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر، واختلفوا في قوله: يعلمون الناس السحر، فقيل إنهم القوا السحر إليهم فتعلموه، وقيل إنهم دلوا الناس على استخراج السحر وكان مدفونا تحت كرسي سليمان فاستخرجوه وتعلموه، واختلفوا في قوله: وما أنزل على الملكين فقيل ما موصولة والعطف على قوله: ما تتلوا، وقيل ما موصولة والعطف على قوله: السحر أي يعلمونهم ما أنزل على الملكين، وقيل ما نافية والواو استئنافية أي ولم ينزل على الملكين سحر كما يدعيه اليهود، واختلفوا في معنى الإنزال فقيل إنزال من السماء وقيل بل من نجود الأرض وأعاليها، واختلفوا في قوله: الملكين، فقيل كانا من ملائكة السماء، وقيل بل كانا إنسانين ملكين بكسر اللام إن قرأناه، بكسر اللام كما قرئ كذلك في الشواذ، أو ملكين بفتح اللام أي صالحين، أو متظاهرين بالصلاح.
أن قرأناه على ما قرأ به المشهور، واختلفوا في قوله: ببابل، فقيل هي بابل العراق وقيل بابل نهاوند، وقيل، من نصيبين إلى رأس العين، واختلفوا في قوله: وما يعلمان، فقيل علم بمعناه الظاهر، وقيل علم بمعنى اعلم، واختلفوا في قوله: فلا تكفر، فقيل، لا تكفر بالعمل بالسحر، وقيل لا تكفر بتعلمه، وقيل بهما معا، واختلفوا في قوله: فيتعلمون منهما، فقيل أي من هاروت وماروت، وقيل أي من السحر والكفر، وقيل بدلا مما علماه الملكان بالنهي إلى فعله، واختلفوا في قوله: ما يفرقون به بين المرء وزوجه، فقيل أي يوجدون به حبا وبغضا بينهما، وقيل إنهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك فيفرق بينهما إختلاف الملة والنحلة وقيل إنهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيؤل إلى الفرقة، فهذه نبذة من الاختلاف في تفسير كلمات ما يشتمل على القصة من الآية وجملة، وهناك اختلافات أخر في الخارج من القصة في ذيل الآية وفي نفس القصة، وهل هي قصة واقعة أو بيان على سبيل التمثيل؟ أو غير ذلك؟ وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من ألف ألف ومائتين وستين ألف احتمال 4 + 3 + 2!.
وهذا لعمر الله من عجائب نظم القرآن تتردد الآية بين مذاهب واحتمالات تدهش العقول وتحير الألباب، والكلام بعد متك على أريكة حسنة متجمل في أجمل جماله متحل بحلي بلاغته وفصاحته وسيمر بك نظيرة هذه الآية وهي قوله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} هود- 17. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان}:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {واتبعوا} حكاية عمن تقدم ذكره وهم اليهود، ثم فيه أقوال:
أحدها: أنهم اليهود الذين كانوا في زمان محمد عليه الصلاة والسلام، وثانيها: أنهم الذين تقدموا من اليهود، وثالثها: أنهم الذين كانوا في زمن سليمان عليه السلام من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوة سليمان عليه السلام ويعدونه من جملة الملوك في الدنيا، فالذين كانوا منهم في زمانه لا يمتنع أن يعتقدوا فيه أنه إنما وجد ذلك الملك العظيم بسبب السحر، ورابعها: أنه يتناول الكل وهذا أولى لأنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره، إذ لا دليل على التخصيص.
قال السدي: لما جاءهم محمد عليه الصلاة والسلام عارضوه بالتوراة فخاصموه بها فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن، فهذا قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ الله مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورِهِمْ} [البقرة: 101] ثم أخبر عنهم بأنهم اتبعوا كتب السحر. اهـ.

.قال الطبري:

والصواب من القول في تأويل قوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان}، أن ذلك توبيخ من الله لأحبار اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجحدوا نبوته، وهم يعلمون أنه لله رسول مرسل، وتأنيب منه لهم في رفضهم تنزيله، وهجرهم العمل به، وهو في أيديهم يعلمونه ويعرفون أنه كتاب الله، واتباعهم واتباع أوائلهم وأسلافهم ما تلته الشياطين في عهد سليمان. وقد بينا وجه جواز إضافة أفعال أسلافهم إليهم فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وإنما اخترنا هذا التأويل، لأن المتبعة ما تلته الشياطين، في عهد سليمان وبعده إلى أن بعث الله نبيه بالحق، وأمر السحر لم يزل في اليهود. ولا دلالة في الآية أن الله تعالى أراد بقوله: {واتبعوا} بعضا منهم دون بعض. إذْ كان جائزا فصيحا في كلام العرب إضافة ما وصفنا- من اتباع أسلاف المخبر عنهم بقوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين}- إلى أخلافهم بعدهم، ولم يكن بخصوص ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر منقول، ولا حجة تدل عليه. فكان الواجب من القول في ذلك أن يقال: كل متبع ما تلته الشياطين على عهد سليمان من اليهود، داخل في معنى الآية، على النحو الذي قلنا. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في تفسير: {تَتْلُواْ} وجوهًا:
أحدها: أن المراد منه التلاوة والإخبار، وثانيها: قال أبو مسلم تتلوا أي تكذب على ملك سليمان.
يقال: تلا عليه إذا كذب وتلا عنه، إذا صدق وإذا أبهم جاز الأمران.
والأقرب هو الأول لأن التلاوة حقيقة في الخبر، إلا أن المخبر يقال في خبره إذا كان كذبًا إنه تلا فلان وإنه قد تلا على فلان ليميز بينه وبين الصدق الذي لا يقال فيه، روي عن فلان، بل يقال: روي عن فلان وأخبر عن فلان وتلا عن فلان وذلك لا يليق إلا بالأخبار والتلاوة، ولا يمتنع أن يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان مما يتلى ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف. اهـ.
قال الفخر:
اختلفوا في الشياطين فقيل: المراد شياطين الجن وهو قول الأكثرين، وقيل: شياطين الإنس وهو قول المتكلمين من المعتزلة، وقيل: هم شياطين الإنس والجن معًا.
أما الذين حملوه على شياطين الجن قالوا: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة، وقد دونوها في كتب يقرءونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا: إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون: هذا علم سليمان وما تم له ملكه إلا بهذا العلم وبه يسخر الجن والإنس والريح التي تجري بأمره.
وأما الذين حملوه على شياطين الإنس قالوا: روي في الخبر أن سليمان عليه السلام كان قد دفن كثيرًا من العلوم التي خصه الله تعالى بها تحت سرير ملكه حرصًا على أنه إن هلك الظاهر منها يبقى ذلك المدفون، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه، ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه ما وصل إلى ما وصل إليه إلا بسبب هذه الأشياء فهذا معنى: {ما تتلوا الشياطين}، واحتج القائلون بهذا الوجه على فساد القول الأول بأن شياطين الجن لو قدروا على تغيير كتب الأنبياء وشرائعهم بحيث يبقى ذلك التحريف محققًا فيما بين الناس لارتفع الوثوق عن جميع الشرائع وذلك يفضي إلى الطعن في كل الأديان.
فإن قيل: إذا جوزتم ذلك على شياطين الإنس فلم لا يجوز مثله على شياطين الجن؟ قلنا: الفرق أن الذي يفعله الإنسان لابد وأن يظهر من بعض الوجوه، أما لو جوزنا هذا الافتعال من الجن وهو أن نزيد في كتب سليمان بخط مثل خط سليمان فإنه لا يظهر ذلك ويبقى مخفيًا فيفضي إلى الطعن في جميع الأديان. اهـ.
قال الفخر:
أما قوله: {على مُلْكِ سليمان} فقيل في ملك سليمان، عن ابن جريج، وقيل على عهد ملك سليمان والأقرب أن يكون المراد واتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان لأنهم كانوا يقرءون من كتب السحر ويقولون إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب هذا العلم، فكانت تلاوتهم لتلك الكتب كالافتراء على ملك سليمان. اهـ.
قال الفخر:
اختلفوا في المراد بملك سليمان، فقال القاضي: إن ملك سليمان هو النبوة، أو يدخل فيه النبوة وتحت النبوة الكتاب المنزل عليه والشريعة.
وإذا صح ذلك ثم أخرج القوم صحيفة فيها ضروب السحر وقد دفنوها تحت سرير ملكه ثم أخرجوها بعد موته وأوهموا أنها من جهته صار ذلك منهم تقولًا على ملكه في الحقيقة.
والأصح عندي أن يقال: إن القوم لما ادعوا أن سليمان إنما وجد تلك المملكة بسبب ذلك العلم كان ذلك الادعاء كالافتراء على ملك سليمان. اهـ.
قال الفخر:
السبب في أنهم أضافوا السحر إلى سليمان عليه السلام وجوه:
أحدها: أنهم أضافوا السحر إلى سليمان تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لأمره وترغيبًا للقوم في قبول ذلك منهم.
وثانيها: أن اليهود ما كانوا يقرون بنبوة سليمان بل كانوا يقولون إنما وجد ذلك الملك بسبب السحر.
وثالثها: أن الله تعالى لما سخر الجن لسليمان فكان يخالطهم ويستفيد منهم أسرارًا عجيبة فغلب على الظنون أنه عليه الصلاة والسلام استفاد السحر منهم. اهـ.